ملاك دلالة الأمر على الوجوب

ملاك دلالة الأمر على الوجوب

وأمّا المقام الثاني: وهو البحث في نكتة دلالة الأمر على الوجوب، فهنا ينفتح باب ثلاثة احتمالات:

۱ ـ أن تكون بالوضع.

۲ ـ أن تكون بالعقل.

۳ ـ أن تكون بمقدّمات الحكمة.

والاحتمال الأوّل للمشهور، والثاني للمحقّق النائينيّ (رحمه الله)(۱)، وتبعه السيّد الاُستاذ دامت بركاته(۲)، والثالث ما اختاره المحقّق العراقيّ (رحمه الله)(۳).

وباختلاف هذه الاحتمالات الثلاثة تنشأ ثمرات في مقام الجمع بين الأدلّة المتعارضة، وهذه المسالك الثلاثة بنفسها تجري في الصيغة أيضاً. والبحث الذي نبحثه هنا قابل للانطباق على الصيغة. وعلى أيّ حال، فأصل دلالة مادّة الأمر على الوجوب مفروغ عنه، ويكفي في إثباته التبادر والوجدان، وإنّما الكلام في أنّ ملاكه هل هو الوضع، أو العقل، أو مقدّمات الحكمة؟

أمّا الاحتمال الأوّل: فتعيّنه موقوف على إبطال الاحتمالين الآخرين؛ إذ الدليل على الوضع إنّما هو الفهم العرفيّ والعقلائيّ للوجوب من الأمر، وهذا إنّما يدلّ على الوضع لو لم يكن منشأ آخر لهذا الفهم من إطلاق أو عقل، فلنتكلّم في هذين الاحتمالين.

وأمّا الاحتمال الثاني: فخلاصة كلام المحقّق النائينيّ (رحمه الله) فيه: أنّ المولى حينما يتصدّى للطلب بمادّة الأمر أو صيغته أو غير ذلك: فتارةً يقترن هذا بصدور بيان على الترخيص في الخلاف متّصل أو منفصل، واُخرى لا، ففي الأوّل لا يكون مثل هذا التصدّي للطلب المقرون بالترخيص في الخلاف موضوعاً لحكم العقل بوجوب الامتثال؛ إذ للعبد أن يأخذ بالرخصة. وفي الثاني يكون نفس التصدّي

 


(۱) راجع أجود التقريرات، ج ۱، ص ۸۷ و۹٥ ـ ۹٦ بحسب الطبعة المشتملة على حاشية السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج ۱، ص ۱۲۹ و۱۳٥ ـ ۱۳۷ بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(۲) راجع المحاضرات، ج ۲، ص ۱٤ و۱۳۱ ـ ۱۳۲.

(۳) راجع المقالات، ج ۱، ص ۲٠۸ و۲۲۲ بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم.

للطلب بلا إصدار ترخيص موضوعاً لحكم العقل بلزوم التحرّك من باب قانون العبوديّة والمولويّة، فيعنون هذا الأمر بعنوان الوجوب، فاللفظ لا يدلّ على الوجوب، وإنّما الوجوب شأن من شؤون حكم العقل المترتّب على طلب المولى(۱). إلّا أنّ هذا الكلام غير صحيح، ومزيد التعمّق يعطي أنّ المحقّق النائينيّ (رحمه الله) ومن تبعه لو أرادوا المشي على هذا الوجه، فلابدّ لهم من منهج آخر في الفقه. وتوضيح الكلام في هذا المقام هو: أنّه يرد عليه: أوّلاً: الحلّ؛ لوضوح: أنّه لو صدر من المولى طلب ولم يصدر منه ترخيص في المخالفة، ولكن علمنا واقعاً بعلم غير مستند إلى بيان المولى بأنّه تطيب نفسه بالترك ويرضى به؛ لأنّ ملاك الطلب غير شديد في نفس المولى مثلاً، فالعقل لا يحكم بلزوم الامتثال، إذن فما هو موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال هو صدور طلب من المولى وأن لا يرضى واقعاً وفي نفسه بالترك؛ لشدّة الملاك وقوّة الإرادة في نفسه، وهذا مطلب يحتاج إلى كاشف لا محالة، ومجرّد صدور الطلب من دون أن نعرف شدّة ملاكه وعدم رضاه بالترك لا يكفي لإثبات الوجوب، إذن فلابدّ من افتراض دلالة لفظيّة للأمر على أنّ الطلب يكون على أساس ملاك شديد وعدم طيب نفس الآمر بالترك، وليس كما يقوله المحقّق النائينيّ (رحمه الله) من كفاية عدم صدور الترخيص؛ لكون موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال هو الطلب مع عدم صدور الترخيص في الخلاف حتّى لا نحتاج إلى دلالة لفظيّة. وثانياً: النقض بأنّ هذا المسلك له لوازم في الفقه لا يلتزم بها أصحاب هذا المسلك:    

(۱) راجع أجود التقريرات، ج ۱، ص ۹٥ ـ ٥٦ بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج ۱، ص ۱۳٥ ـ ۱۳۷.

للطلب بلا إصدار ترخيص موضوعاً لحكم العقل بلزوم التحرّك من باب قانون العبوديّة والمولويّة، فيعنون هذا الأمر بعنوان الوجوب، فاللفظ لا يدلّ على الوجوب، وإنّما الوجوب شأن من شؤون حكم العقل المترتّب على طلب المولى(۱). إلّا أنّ هذا الكلام غير صحيح، ومزيد التعمّق يعطي أنّ المحقّق النائينيّ (رحمه الله) ومن تبعه لو أرادوا المشي على هذا الوجه، فلابدّ لهم من منهج آخر في الفقه. وتوضيح الكلام في هذا المقام هو: أنّه يرد عليه: أوّلاً: الحلّ؛ لوضوح: أنّه لو صدر من المولى طلب ولم يصدر منه ترخيص في المخالفة، ولكن علمنا واقعاً بعلم غير مستند إلى بيان المولى بأنّه تطيب نفسه بالترك ويرضى به؛ لأنّ ملاك الطلب غير شديد في نفس المولى مثلاً، فالعقل لا يحكم بلزوم الامتثال، إذن فما هو موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال هو صدور طلب من المولى وأن لا يرضى واقعاً وفي نفسه بالترك؛ لشدّة الملاك وقوّة الإرادة في نفسه، وهذا مطلب يحتاج إلى كاشف لا محالة، ومجرّد صدور الطلب من دون أن نعرف شدّة ملاكه وعدم رضاه بالترك لا يكفي لإثبات الوجوب، إذن فلابدّ من افتراض دلالة لفظيّة للأمر على أنّ الطلب يكون على أساس ملاك شديد وعدم طيب نفس الآمر بالترك، وليس كما يقوله المحقّق النائينيّ (رحمه الله) من كفاية عدم صدور الترخيص؛ لكون موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال هو الطلب مع عدم صدور الترخيص في الخلاف حتّى لا نحتاج إلى دلالة لفظيّة. وثانياً: النقض بأنّ هذا المسلك له لوازم في الفقه لا يلتزم بها أصحاب هذا المسلك:    

(۱) راجع أجود التقريرات، ج ۱، ص ۹٥ ـ ٥٦ بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج ۱، ص ۱۳٥ ـ ۱۳۷.

الاستصحاب، أو لم يكن يجري الاستصحاب لتوارد الحالتين مثلاً، أو كنّا نؤمن بجريان استصحاب الترخيص الثابت في أوّل الشريعة في كلّ شيء مثلاً.

على أنّه لو كان هناك لازم لمنشأ حكم العقل بالوجوب يجعل ذلك في باب ورود الأمر من لوازم الأمارة، في حين أنّه بناءً على الحاجة لدى احتمال الترخيص إلى استصحاب عدم الترخيص يصبح من لوازم الأصل؛ لأنّ النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.

نعم، يحتمل أن يكون مقصود الشيخ النائينيّ (رحمه الله): أنّ أمر المولى موضوع لحكم العقل بالوجوب لدى عدم وصول الترخيص من المولى، فمجرّد عدم وصول الترخيص كاف في ثبوت الوجوب، ولا يرد عليه هذا النقض، ولكن هذا يعني: أن يختلف الأمر الواحد في كونه وجوبيّاً أو استحبابيّاً بالنسبة لعبدين: أحدهما اطّلع على صدور الترخيص في الخلاف والآخر لم يطّلع عليه، بل بالنسبة لعبد واحد في زمانين لم يصله الترخيص في أحدهما ووصله في الآخر، ولا أعرف: هل يلتزم صاحب هذا المبنى بهذه النتيجة، أو لا؟

ثُمّ إنّ البحث إلى هنا كان ردّاً لمدرسة الشيخ النائينيّ (رحمه الله) التي أنكرت وجود وجوب أو استحباب في الشريعة، وجعلتهما أمرين عقليّين، في حين أنّ المشهور يعتقدون: أنّ ذينك الأمرين العقليّين بابهما باب التنجيز، ويوجد من ورائهما حكم الشرع الوجوبيّ أو الاستحبابيّ.

ولكن الحديث لاينتهي إلى هذا الحدّ؛ وذلك لأنّ هناك سؤالاً يواجهه المشهور ولا يواجهه الشيخ النائينيّ (رحمه الله)، ولابدّ من الجواب على هذا السؤال.

والسؤال الذي يواجهه المشهور هو: أنّهم مطالبون ببيان الفرق الثبوتيّ بين الوجوب والاستحباب المولويّين، أو الشرعيّين ما داموا آمنوا ـ وعلى خلاف مسلك الشيخ النائينيّ (رحمه الله) ـ بوجود وجوب واستحباب مولويّين. ولا يكفي مجرّد الفرق الإثباتيّ بينهما

الاستصحاب، أو لم يكن يجري الاستصحاب لتوارد الحالتين مثلاً، أو كنّا نؤمن بجريان استصحاب الترخيص الثابت في أوّل الشريعة في كلّ شيء مثلاً.

على أنّه لو كان هناك لازم لمنشأ حكم العقل بالوجوب يجعل ذلك في باب ورود الأمر من لوازم الأمارة، في حين أنّه بناءً على الحاجة لدى احتمال الترخيص إلى استصحاب عدم الترخيص يصبح من لوازم الأصل؛ لأنّ النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.

نعم، يحتمل أن يكون مقصود الشيخ النائينيّ (رحمه الله): أنّ أمر المولى موضوع لحكم العقل بالوجوب لدى عدم وصول الترخيص من المولى، فمجرّد عدم وصول الترخيص كاف في ثبوت الوجوب، ولا يرد عليه هذا النقض، ولكن هذا يعني: أن يختلف الأمر الواحد في كونه وجوبيّاً أو استحبابيّاً بالنسبة لعبدين: أحدهما اطّلع على صدور الترخيص في الخلاف والآخر لم يطّلع عليه، بل بالنسبة لعبد واحد في زمانين لم يصله الترخيص في أحدهما ووصله في الآخر، ولا أعرف: هل يلتزم صاحب هذا المبنى بهذه النتيجة، أو لا؟

ثُمّ إنّ البحث إلى هنا كان ردّاً لمدرسة الشيخ النائينيّ (رحمه الله) التي أنكرت وجود وجوب أو استحباب في الشريعة، وجعلتهما أمرين عقليّين، في حين أنّ المشهور يعتقدون: أنّ ذينك الأمرين العقليّين بابهما باب التنجيز، ويوجد من ورائهما حكم الشرع الوجوبيّ أو الاستحبابيّ.

ولكن الحديث لاينتهي إلى هذا الحدّ؛ وذلك لأنّ هناك سؤالاً يواجهه المشهور ولا يواجهه الشيخ النائينيّ (رحمه الله)، ولابدّ من الجواب على هذا السؤال.

والسؤال الذي يواجهه المشهور هو: أنّهم مطالبون ببيان الفرق الثبوتيّ بين الوجوب والاستحباب المولويّين، أو الشرعيّين ما داموا آمنوا ـ وعلى خلاف مسلك الشيخ النائينيّ (رحمه الله) ـ بوجود وجوب واستحباب مولويّين. ولا يكفي مجرّد الفرق الإثباتيّ بينهما

قلنا:

أوّلاً: هل يجوّز العقل إثارة اشمئزاز المولى لمجرّد ضآلة الاشمئزاز؟!

وثانياً: لابدّ من تعيين تلك الدرجة التي هي مرتبة الوجوب، والدرجة التي هي مرتبة الاستحباب، فيا ترى هل درجة السبعين مثلاً للاشمئزاز، أو عدم طيب النفس بالترك هي درجة الوجوب، ودرجة التسعة والستّين هي درجة الاستحباب، أم ماذا؟ أو تقولون: إنّ المقياس هو صدور الترخيص من الشارع في الترك؟ وهذا رجوع إلى مسلك الشيخ النائينيّ (رحمه الله).

وقد يقال: إنّ الفارق الحقيقيّ في روح الحكم بين الوجوب والاستحباب هو ما مضى أيضاً عن اُستاذنا (رحمه الله)من شدّة الملاك وضعفه، سواءٌ قصد بالملاك الحبّ والبغض، أو المصلحة والمفسدة.

إلّا أنّ هذا المقدار من البيان أيضاً لو لم يرجع إلى ما سيأتي إن شاء الله، وكان المقصود بشدّة الملاك وضعفه شدّته أو ضعفه ذاتاً، فهو غير كاف؛ وذلك لأنّنا نقول:

أوّلاً: هل يجوّز العقل مخالفة طلب المولى لمجرّد ضعف الملاك؟

وثانياً: لابدّ من تعيين درجة الشدّة والضعف، فهل درجة السبعين من شدّة الملاك هي درجة الوجوب مثلاً، ودرجة التسعة والستّين درجة الاستحباب، أم ماذا؟ أو تقولون: إنّ المقياس هو وصول ضعف الملاك إلى مستوىً يطيب المولى نفساً بالترك، فهذا هو مورد الاستحباب، ولو اشتدّ الملاك إلى مستوى عدم طيب النفس بالترك، فهذا هو مورد الوجوب؟ فهذا رجوع إلى مقياسيّة التعبير السابق الذي بحثناه، أو تقولون: إنّ المقياس هو صدور الترخيص من المولى وعدمه؟ فهذا رجوع إلى كلام الشيخ النائينيّ (رحمه الله).

والحلّ: أن يقال: إنّ الحبّ والبغض في نفس المولى: تارةً يكون مصبّه ذات الفعل، واُخرى يكون مصبّه نفس كون المكلّف ملزماً ومقيّداً بالفعل أو الترك برسوم العبوديّة، أو

قلنا:

أوّلاً: هل يجوّز العقل إثارة اشمئزاز المولى لمجرّد ضآلة الاشمئزاز؟!

وثانياً: لابدّ من تعيين تلك الدرجة التي هي مرتبة الوجوب، والدرجة التي هي مرتبة الاستحباب، فيا ترى هل درجة السبعين مثلاً للاشمئزاز، أو عدم طيب النفس بالترك هي درجة الوجوب، ودرجة التسعة والستّين هي درجة الاستحباب، أم ماذا؟ أو تقولون: إنّ المقياس هو صدور الترخيص من الشارع في الترك؟ وهذا رجوع إلى مسلك الشيخ النائينيّ (رحمه الله).

وقد يقال: إنّ الفارق الحقيقيّ في روح الحكم بين الوجوب والاستحباب هو ما مضى أيضاً عن اُستاذنا (رحمه الله)من شدّة الملاك وضعفه، سواءٌ قصد بالملاك الحبّ والبغض، أو المصلحة والمفسدة.

إلّا أنّ هذا المقدار من البيان أيضاً لو لم يرجع إلى ما سيأتي إن شاء الله، وكان المقصود بشدّة الملاك وضعفه شدّته أو ضعفه ذاتاً، فهو غير كاف؛ وذلك لأنّنا نقول:

أوّلاً: هل يجوّز العقل مخالفة طلب المولى لمجرّد ضعف الملاك؟

وثانياً: لابدّ من تعيين درجة الشدّة والضعف، فهل درجة السبعين من شدّة الملاك هي درجة الوجوب مثلاً، ودرجة التسعة والستّين درجة الاستحباب، أم ماذا؟ أو تقولون: إنّ المقياس هو وصول ضعف الملاك إلى مستوىً يطيب المولى نفساً بالترك، فهذا هو مورد الاستحباب، ولو اشتدّ الملاك إلى مستوى عدم طيب النفس بالترك، فهذا هو مورد الوجوب؟ فهذا رجوع إلى مقياسيّة التعبير السابق الذي بحثناه، أو تقولون: إنّ المقياس هو صدور الترخيص من المولى وعدمه؟ فهذا رجوع إلى كلام الشيخ النائينيّ (رحمه الله).

والحلّ: أن يقال: إنّ الحبّ والبغض في نفس المولى: تارةً يكون مصبّه ذات الفعل، واُخرى يكون مصبّه نفس كون المكلّف ملزماً ومقيّداً بالفعل أو الترك برسوم العبوديّة، أو

قلنا:

أوّلاً: هل يجوّز العقل إثارة اشمئزاز المولى لمجرّد ضآلة الاشمئزاز؟!

وثانياً: لابدّ من تعيين تلك الدرجة التي هي مرتبة الوجوب، والدرجة التي هي مرتبة الاستحباب، فيا ترى هل درجة السبعين مثلاً للاشمئزاز، أو عدم طيب النفس بالترك هي درجة الوجوب، ودرجة التسعة والستّين هي درجة الاستحباب، أم ماذا؟ أو تقولون: إنّ المقياس هو صدور الترخيص من الشارع في الترك؟ وهذا رجوع إلى مسلك الشيخ النائينيّ (رحمه الله).

وقد يقال: إنّ الفارق الحقيقيّ في روح الحكم بين الوجوب والاستحباب هو ما مضى أيضاً عن اُستاذنا (رحمه الله)من شدّة الملاك وضعفه، سواءٌ قصد بالملاك الحبّ والبغض، أو المصلحة والمفسدة.

إلّا أنّ هذا المقدار من البيان أيضاً لو لم يرجع إلى ما سيأتي إن شاء الله، وكان المقصود بشدّة الملاك وضعفه شدّته أو ضعفه ذاتاً، فهو غير كاف؛ وذلك لأنّنا نقول:

أوّلاً: هل يجوّز العقل مخالفة طلب المولى لمجرّد ضعف الملاك؟

وثانياً: لابدّ من تعيين درجة الشدّة والضعف، فهل درجة السبعين من شدّة الملاك هي درجة الوجوب مثلاً، ودرجة التسعة والستّين درجة الاستحباب، أم ماذا؟ أو تقولون: إنّ المقياس هو وصول ضعف الملاك إلى مستوىً يطيب المولى نفساً بالترك، فهذا هو مورد الاستحباب، ولو اشتدّ الملاك إلى مستوى عدم طيب النفس بالترك، فهذا هو مورد الوجوب؟ فهذا رجوع إلى مقياسيّة التعبير السابق الذي بحثناه، أو تقولون: إنّ المقياس هو صدور الترخيص من المولى وعدمه؟ فهذا رجوع إلى كلام الشيخ النائينيّ (رحمه الله).

والحلّ: أن يقال: إنّ الحبّ والبغض في نفس المولى: تارةً يكون مصبّه ذات الفعل، واُخرى يكون مصبّه نفس كون المكلّف ملزماً ومقيّداً بالفعل أو الترك برسوم العبوديّة، أو

الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة العقليّة:

بقي شيء في المقام خارج عن حريم البحث الاُصوليّ، وهو: أنّ الوجوب والاستحباب، وكذلك الحرمة والكراهة كما يوجدان في حقل الشريعة كذلك يوجدان في حقل العقل العمليّ، أو الفضائل والرذائل العقليّة، فربّ شيء يكون حسناً عقلاً ولكن لا يجب في منظار العقل فعله، كالعفو الذي هو حسن عقلاً ولكنّه ليس واجباً، وإلّا لما كان القصاص حقّاً. والتفسير الذي حقّقناه للفصل بين الوجوب والاستحباب في حقل الشريعة لا يأتي في حقل الفضائل والرذائل العقليّتين؛ إذ لا يوجد هنا ـ ما دمنا مقتصرين في حقل العقل ـ مولىً آمر وراء أنفسنا يطلب منّا شيئاً، ولكن قد يرغب في نفس الوقت في مرخوصيّتنا وحرّيّتنا، فلابدّ لنا من تفسير آخر للفرق بين الوجوب والاستحباب في حقل الأحكام العقليّة بعد فرض البناء على مبنى واقعيّة الحسن والقبح العقليّين.

فهل نعود إلى التفسير باختلاف الدرجة ونقول: إنّ الحَسَن الشديد الحُسن هو الواجب، والقبيح الشديد القبح هو الحرام، وما بينهما متوسّطات، والوسط الحقيقيّ بينهما يكون مباحاً عقلاً، لايعدّ فضيلة ولا رذيلة، فكأنّ لدينا سُلّماً واحداً وقع في الدرج الأسفل النهائيّ منه أشدّ الرذائل المحرّمة، وفي الدرج الأعلى النهائيّ منه أشدّ الفضائل الواجبة، وبينهما متوسّطات يخفّ قبحها أو حُسنها بمقدار بُعدها عن أحد القطبين، ويكون الوسط الحقيقيّ في هذا السلّم هو رفّ المباحات؟!

إنّ هذا التفسير يشتمل على بعض المفارقات من قبيل:

۱ ـ إنّنا لا نمتلك حدّاً مشخّصاً لفصل الواجبات عن المستحبّات. فيا تُرى هل يفترض

الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة العقليّة:

بقي شيء في المقام خارج عن حريم البحث الاُصوليّ، وهو: أنّ الوجوب والاستحباب، وكذلك الحرمة والكراهة كما يوجدان في حقل الشريعة كذلك يوجدان في حقل العقل العمليّ، أو الفضائل والرذائل العقليّة، فربّ شيء يكون حسناً عقلاً ولكن لا يجب في منظار العقل فعله، كالعفو الذي هو حسن عقلاً ولكنّه ليس واجباً، وإلّا لما كان القصاص حقّاً. والتفسير الذي حقّقناه للفصل بين الوجوب والاستحباب في حقل الشريعة لا يأتي في حقل الفضائل والرذائل العقليّتين؛ إذ لا يوجد هنا ـ ما دمنا مقتصرين في حقل العقل ـ مولىً آمر وراء أنفسنا يطلب منّا شيئاً، ولكن قد يرغب في نفس الوقت في مرخوصيّتنا وحرّيّتنا، فلابدّ لنا من تفسير آخر للفرق بين الوجوب والاستحباب في حقل الأحكام العقليّة بعد فرض البناء على مبنى واقعيّة الحسن والقبح العقليّين.

فهل نعود إلى التفسير باختلاف الدرجة ونقول: إنّ الحَسَن الشديد الحُسن هو الواجب، والقبيح الشديد القبح هو الحرام، وما بينهما متوسّطات، والوسط الحقيقيّ بينهما يكون مباحاً عقلاً، لايعدّ فضيلة ولا رذيلة، فكأنّ لدينا سُلّماً واحداً وقع في الدرج الأسفل النهائيّ منه أشدّ الرذائل المحرّمة، وفي الدرج الأعلى النهائيّ منه أشدّ الفضائل الواجبة، وبينهما متوسّطات يخفّ قبحها أو حُسنها بمقدار بُعدها عن أحد القطبين، ويكون الوسط الحقيقيّ في هذا السلّم هو رفّ المباحات؟!

إنّ هذا التفسير يشتمل على بعض المفارقات من قبيل:

۱ ـ إنّنا لا نمتلك حدّاً مشخّصاً لفصل الواجبات عن المستحبّات. فيا تُرى هل يفترض

الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة العقليّة:

بقي شيء في المقام خارج عن حريم البحث الاُصوليّ، وهو: أنّ الوجوب والاستحباب، وكذلك الحرمة والكراهة كما يوجدان في حقل الشريعة كذلك يوجدان في حقل العقل العمليّ، أو الفضائل والرذائل العقليّة، فربّ شيء يكون حسناً عقلاً ولكن لا يجب في منظار العقل فعله، كالعفو الذي هو حسن عقلاً ولكنّه ليس واجباً، وإلّا لما كان القصاص حقّاً. والتفسير الذي حقّقناه للفصل بين الوجوب والاستحباب في حقل الشريعة لا يأتي في حقل الفضائل والرذائل العقليّتين؛ إذ لا يوجد هنا ـ ما دمنا مقتصرين في حقل العقل ـ مولىً آمر وراء أنفسنا يطلب منّا شيئاً، ولكن قد يرغب في نفس الوقت في مرخوصيّتنا وحرّيّتنا، فلابدّ لنا من تفسير آخر للفرق بين الوجوب والاستحباب في حقل الأحكام العقليّة بعد فرض البناء على مبنى واقعيّة الحسن والقبح العقليّين.

فهل نعود إلى التفسير باختلاف الدرجة ونقول: إنّ الحَسَن الشديد الحُسن هو الواجب، والقبيح الشديد القبح هو الحرام، وما بينهما متوسّطات، والوسط الحقيقيّ بينهما يكون مباحاً عقلاً، لايعدّ فضيلة ولا رذيلة، فكأنّ لدينا سُلّماً واحداً وقع في الدرج الأسفل النهائيّ منه أشدّ الرذائل المحرّمة، وفي الدرج الأعلى النهائيّ منه أشدّ الفضائل الواجبة، وبينهما متوسّطات يخفّ قبحها أو حُسنها بمقدار بُعدها عن أحد القطبين، ويكون الوسط الحقيقيّ في هذا السلّم هو رفّ المباحات؟!

إنّ هذا التفسير يشتمل على بعض المفارقات من قبيل:

۱ ـ إنّنا لا نمتلك حدّاً مشخّصاً لفصل الواجبات عن المستحبّات. فيا تُرى هل يفترض

ملاك الانبعاث عن التكليف في النظر العرفانيّ:

بقي شيء في المقام خارج عن حريم البحث الاُصوليّ، وهو: أنّ الوجوب والاستحباب، وكذلك الحرمة والكراهة كما يوجدان في حقل الشريعة كذلك يوجدان في حقل العقل العمليّ، أو الفضائل والرذائل العقليّة، فربّ شيء يكون حسناً عقلاً ولكن لا يجب في منظار العقل فعله، كالعفو الذي هو حسن عقلاً ولكنّه ليس واجباً، وإلّا لما كان القصاص حقّاً. والتفسير الذي حقّقناه للفصل بين الوجوب والاستحباب في حقل الشريعة لا يأتي في حقل الفضائل والرذائل العقليّتين؛ إذ لا يوجد هنا ـ ما دمنا مقتصرين في حقل العقل ـ مولىً آمر وراء أنفسنا يطلب منّا شيئاً، ولكن قد يرغب في نفس الوقت في مرخوصيّتنا وحرّيّتنا، فلابدّ لنا من تفسير آخر للفرق بين الوجوب والاستحباب في حقل الأحكام العقليّة بعد فرض البناء على مبنى واقعيّة الحسن والقبح العقليّين.

فهل نعود إلى التفسير باختلاف الدرجة ونقول: إنّ الحَسَن الشديد الحُسن هو الواجب، والقبيح الشديد القبح هو الحرام، وما بينهما متوسّطات، والوسط الحقيقيّ بينهما يكون مباحاً عقلاً، لايعدّ فضيلة ولا رذيلة، فكأنّ لدينا سُلّماً واحداً وقع في الدرج الأسفل النهائيّ منه أشدّ الرذائل المحرّمة، وفي الدرج الأعلى النهائيّ منه أشدّ الفضائل الواجبة، وبينهما متوسّطات يخفّ قبحها أو حُسنها بمقدار بُعدها عن أحد القطبين، ويكون الوسط الحقيقيّ في هذا السلّم هو رفّ المباحات؟!

إنّ هذا التفسير يشتمل على بعض المفارقات من قبيل:

۱ ـ إنّنا لا نمتلك حدّاً مشخّصاً لفصل الواجبات عن المستحبّات. فيا تُرى هل يفترض

لا حبّ الفعل ولا المصلحة الكامنة في الفعل. نعم، الحبّ والمصلحة في الفعل قد يتطلّبان من المولى أن يريدنا متقيّدين ومكبّلين ومتعبّدين خشية فوات المتعلّق؛ لأنّ انبعاث العباد من إرادته سبحانه للتقيّد وعدم الحرّيّة أكثر بكثير من انبعاثهم من مجرّد حبّه تعالى للمتعلّق؛ وذلك: إمّا بسبب قبح مخالفة الأوّل دون الثاني، وهذا هو توجيه مخالفة أهل العرفان للثاني أحياناً دون الأوّل، وإمّا بسبب أنّ الذي تكون في مخالفته العقاب هو الأوّل دون الثاني، وهذا هو توجيه مخالفة أهل العدالة للثاني أحياناً دون الأوّل.

والذي يناسب مقام أهل العرفان الحقيقيّ هو كفاية حبّه تعالى للمتعلّق للانبعاث إليه، وكذلك كفاية بغضه تعالى للمتعلّق للانزجار منه حتّى فيما إذا اقتضت الرغبة الملحّة للربّ تعالى حرّيّة العبد، وعدم تقيّده وإلزامه؛ والوجه في أنّ هذا هو المناسب لأهل العرفان أحد تعبيرين: إمّا لأنّ العارف بالله لايحبّ إلّا ما يحبّه الله، ولا يبغض إلّا ما يبغضه الله، فلا رغبة له أصلاً في ترك المستحبّ أو فعل المكروه. وإمّا (۱) لأنّه لو أخذ بالرخصة وترك المستحبّ، أو فعل المكروه، فقد تحقّق أحد الأمرين المحبوبين لله، وهو حرّيّته، ولو عمل بالمستحبّ وترك المكروه فقد تحقّق كلا المحبوبين لله، وهما: حرّيّته وملاك المتعلّق؛ لأنّه إنّما أتى بالمحبوب بمحض حرّيّته، لا بكونه مقيّداً مكبوتاً.

وبكلمة اُخرى: إنّ حبّ المولى لرخصة العبد وحرّيّته له معنيان:

أحدهما: حبّه لكونه في سعة عمليّة من المتعلّق، أي: أن يصل إلى ما يشتهيه نفسيّاً من فعل أو ترك، وهذا خارج عن بحثنا، ومرتبط بالمباحات التي لم تكن فلسفة إباحتها مجرّد عدم وجود ملاك للإلزام، بل كانت هناك مصلحة في التسهيل العمليّ للمكلّف بأن يصل


(۱) والتعبير الأوّل أولى عرفانيّاً من الثاني.

إلى ما يشتهيه، وليكن هذا معنىً آخر أو شعبة اُخرى لمصلحة التسهيل، وإلى هذا ينظر بعض الأدلّة الدالّة على ذمّ الالتزام بترك بعض المباحات كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ)(۱)، وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَة)(۲)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(۳)، والتعبير الوارد في بعض الروايات: «إنّ الله يغضب على من لا يقبل رخصه»(٤)، وفي بعضها الآخر: «لأنّ الله عزّ وجلّ يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه»(٥).

وثانيهما: حبّه لمجرّد أن لا يكون العبد مُلزماً، أو أن لا يكون شاعراً بالإلزام، ويا حبّذا أن يفعل الفعل المحبوب لله بمحض اختياره ومن دون إلزام، وهذا هو المعنى الذي كان مقصوداً في بحثنا، وهذا طبعاً يلازم تقيّد العارف بالله بفعل المستحبّات وترك المكروهات، إلّا بمقدار ما يقع فيما بينها من التزاحم بلحاظ ضيق في قدرة العبد.

وممّا يبعث بالاستغراب: أنّ النصّ الذي يكون صحيحاً سنداً من نصوص: «أن الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه» ظاهره الأوّليّ وروده في مورد المكروهات،


(۱) سورة المائدة، الآية: ۸۷.

(۲) سورة الأعراف، الآية: ۳۲.

(۳) سورة التحريم، الآية: ۱.

(٤) البحار، ج ۸٠، ص ۳۳٥، آخر الحديث ٦.

(٥) البحار، ج ۹۳، ص ٥.

فقد روى في الكافي(۱) عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن فضيل بن يسار قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول لبعض أصحاب قيس الماصر... وعاف رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام، إنّما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثُمّ رخّص فيها، فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه...».

وهذه الرواية لو أبقينا أصل ظهورها في النظر إلى المكروهات على حاله، لابدّ أن يحمل ما فيها من ضرورة الأخذ بالترخيص: إمّا على الأخذ التشريعيّ، أي: أنّ العبد يجب أن يتعبّد بالترخيص كما يتعبّد بوجوب الواجبات وحرمة المحرّمات وإن كان يتركه ترك إعافة وكراهة، وإمّا على ما نريد أن نشير إليه الآن من ضرورة التدرّج في تربية النفس، وعدم تحميل النفس ما لا تتحمّله من كثرة العبادات المستحبّة، وزجرها عن كلّ المكروهات ممّا قد يؤدّي إلى بغض النفس للعبادة، أو للالتزام بامتثال الأوامر الاستحبابيّة والنواهي التنزيهيّة.

وهناك روايات عديدة في ضرورة التدرّج مع النفس في تحميلها العبادات المستحبّة من قبيل:

۱ ـ ما ورد عن الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعليّ(عليه السلام): «يا عليّ، إنّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربّك، إنّ المنبتّ ـ يعني المفرط ـ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرماً، واحذر حذر من يتخوّف أن يموت غداً»(۲).


(۱) اُصول الكافي، ج ۱، ص ۲٦٦ ـ ۲٦۷.

(۲) الوسائل، ج ۱، ب ۲٦ من مقدّمة العبادات، ح ۷، ص ۱۱٠ بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت.

فقد روى في الكافي(۱) عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن فضيل بن يسار قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول لبعض أصحاب قيس الماصر... وعاف رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام، إنّما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثُمّ رخّص فيها، فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه...».

وهذه الرواية لو أبقينا أصل ظهورها في النظر إلى المكروهات على حاله، لابدّ أن يحمل ما فيها من ضرورة الأخذ بالترخيص: إمّا على الأخذ التشريعيّ، أي: أنّ العبد يجب أن يتعبّد بالترخيص كما يتعبّد بوجوب الواجبات وحرمة المحرّمات وإن كان يتركه ترك إعافة وكراهة، وإمّا على ما نريد أن نشير إليه الآن من ضرورة التدرّج في تربية النفس، وعدم تحميل النفس ما لا تتحمّله من كثرة العبادات المستحبّة، وزجرها عن كلّ المكروهات ممّا قد يؤدّي إلى بغض النفس للعبادة، أو للالتزام بامتثال الأوامر الاستحبابيّة والنواهي التنزيهيّة.

وهناك روايات عديدة في ضرورة التدرّج مع النفس في تحميلها العبادات المستحبّة من قبيل:

۱ ـ ما ورد عن الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعليّ(عليه السلام): «يا عليّ، إنّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربّك، إنّ المنبتّ ـ يعني المفرط ـ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرماً، واحذر حذر من يتخوّف أن يموت غداً»(۲).


(۱) اُصول الكافي، ج ۱، ص ۲٦٦ ـ ۲٦۷.

(۲) الوسائل، ج ۱، ب ۲٦ من مقدّمة العبادات، ح ۷، ص ۱۱٠ بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت.

contact the developer